القائمة الرئيسية

الصفحات

النبي هود عليه السلام مع قوم عاد


 إرسال النبي هود إلى قوم عاد

تُعد قصة النبي هود عليه السلام من القصص التي وردت في القرآن الكريم لتكون عبرةً للمؤمنين ودرسًا للأقوام الغابرة. عاش هود عليه السلام في قبيلة عاد، وهي إحدى القبائل العربية البائدة التي سكنت منطقة الأحقاف الواقعة بين اليمن وعُمان. تميزت عاد بقوتها وعمرانها، حيث أنعم الله عليهم بنعم كثيرة من الصحة، والقوة البدنية، والأرض الخصبة، إلا أن ذلك لم يكن سببًا لشكرهم الله بل جعلهم يغترّون بما أوتوا ويعصون أمر الله.

قوم عاد: القوة والغطرسة

كان قوم عاد من أكثر الأمم تفوقًا في زمانهم، فقد برعوا في فنون العمارة وشيدوا مباني ضخمة، حتى وصفهم الله في القرآن بقوله: "إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ" (الفجر: 7-8). لكن هذه القوة والترف أغرتهم بالابتعاد عن عبادة الله الواحد الأحد، فاتخذوا من الأصنام آلهةً يعبدونها، وكانوا يتباهون بقوتهم ويتحدّون أمر الله، وقالوا: "مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً" (فصلت: 15).

دعوة النبي هود عليه السلام

أرسل الله تعالى نبيَّه هودًا عليه السلام لهداية قوم عاد، وكان من أهلهم ويتحدث بلغتهم، وهذا من رحمة الله، إذ جعل لكل أمة رسولًا يفهم لغتهم وأحوالهم. بدأ هود عليه السلام دعوته بتوحيد الله ونبذ عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر. قال لهم: "يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ" (الأعراف: 65).

كان النبي هود عليه السلام صبورًا وحليمًا، فحاول بكل السبل إقناع قومه بالعدول عن عبادة الأصنام والعودة إلى الله. وذكّرهم بنعم الله عليهم، قائلًا: "وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً" (الأعراف: 69). ولكنهم قابلوه بالاستهزاء والسخرية، واتهموه بالجنون والكذب.

تحدي القوم وعقابهم

استمر قوم عاد في عنادهم وطغيانهم، وقالوا لهود: "أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا" (الأعراف: 70). وبدلًا من أن يتوبوا إلى الله، ازدادوا كبرًا وتمادوا في الظلم.

بعد أن استنفد هود عليه السلام كل الوسائل في دعوته، ولم يستجب له قومه إلا قلة قليلة، جاء أمر الله بعقابهم. بدأ العقاب بجفاف أصاب الأرض، فلم تسقط الأمطار ولم تنبت الزروع. ورغم ذلك، لم يتعظوا، بل قالوا إن هذا بسبب هود ودعوته.

ثم أرسل الله عليهم ريحًا عاتية استمرت سبع ليالٍ وثمانية أيام، اقتلعت مساكنهم وأهلكتهم جميعًا، كما قال تعالى: "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (فصلت: 16).

العبرة من قصة هود وقوم عاد

تُعلمنا قصة النبي هود عليه السلام وقوم عاد أن النعم والقوة التي يمنحها الله للعباد يجب أن تُقابل بالشكر والطاعة لا بالكفر والطغيان. كما تبين أن العناد والاستكبار عن الحق يؤدي إلى الهلاك، مهما بلغت قوة الإنسان. قال الله تعالى: "فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ" (العنكبوت: 40).

إن هذه القصة تمثل دعوة للتأمل في حال الأمم السابقة، وتذكيرًا بأن الله يُمهل ولا يُهمل، وأن دعوة الرسل تحمل الخير للبشرية، وعلى الإنسان أن يسارع إلى الإيمان والطاعة قبل فوات الأوان.

تعليقات